فاطمة لاجئة سودانية في مصر يتشارك إخوتها وزوجاتهم وأطفالهم الثمانية، الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و21 عامًا، غرفتين خانقتين في حي فيصل بالجيزة.

 

وصلت فاطمة وعائلتها إلى القاهرة قادمين من السودان في أبريل 2023 بعد اندلاع الحرب الأهلية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وهم الآن من بين خمسة ملايين سوداني، بمن فيهم من استقروا في مصر قبل الحرب، يواجهون ظروفًا خطيرة متزايدة.

 

في العام الماضي، صادقت مصر على أول قانون لها بشأن اللجوء، مما أدى إلى تزايد الاعتقالات التعسفية ووحشية الشرطة ضد اللاجئين.

 

وتقول فاطمة إن ابنها المراهق قد هُدد بالاعتقال. ونقلت مجلة "نيو إنترناشيوناليست" عن اللاجئة السودانية: "لقد وصل الأمر إلى حد أنني أشعر بالخوف من كل خطوة يخطوها (الأطفال) في الخارج".

 

تتكشف هذه الحملة في ظل شراكة متعمقة بين الاتحاد الأوروبي ومصر. في مارس 2024، أبرم قادة الاتحاد الأوروبي، اتفاقًا مع مصر لتقديم حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو (8.5 مليار دولار)، تشمل 5.7 مليار دولار قروضًا غير مقيدة بشروط سياسية بسيطة، و230 مليون دولار لإدارة الهجرة ، في صفقة يرى منتقدون أنها تُكافئ نظام عبدالفتاح السيسي الاستبدادي.

 

وتكشف مجلة "نيو إنترناشيوناليست" عن مراسلات داخلية حصلت عليها، أن المفوضية الأوروبية تُقرّ بـ"التحديات التي تواجهها مصر في... الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان"، إلا أنها تُواصل دعم نظام قائم على الديون يُعطي الأولوية لسيطرة الجيش على الخدمات العامة الأساسية.

 

 

ويقول يزيد صايغ، الخبير في الاقتصاد المصري الذي يهيمن عليه الجيش في مركز كارنيجي للشرق الأوسط: "إن الأمر يشبه قيام والدي مدمن المخدرات بإعطاء طفلهما المزيد من المال، مع تقديم النصح له بالإقلاع عن هذه العادة".

 

وفي الوقت نفسه، لا يحصل اللاجئون مثل فاطمة على أي من الحماية التي من المفترض أن يتلقوها، لأن المؤسسات القليلة المخصصة لحمايتهم تتعرض للتقويض من قبل نظام السيسي.

 

رحلة الفرار من السودان إلى القاهرة

 

 

قبل وصولها إلى القاهرة، كانت فاطمة وعائلتها يعيشون في عطبرة، وهي منطقة في ولاية نهر النيل شمال شرق السودان، عالقة بين الفصيلين المتحاربين. تتذكر قائلةً: "كنا ننام تحت أسرّتنا من الخوف". حاولت مرتين الهرب مع أطفالها والطالبات الاثنتي عشرة اللواتي كنّ يسكنّ في منزلها المشترك.

 

تلت ذلك فترة من الابتزاز والاغتصاب والعنف. قالت: "كان (قوات الدعم السريع) يطلبون فدية من الفتيات". وأضافت أن العديد من الفتيات تعرضن للاغتصاب أمام الأخريات، وقُتلت إحداهن رميًا بالرصاص أمام عينيها. وبيع بعضهن كعبيد جنسي.

 

استغرقت رحلة الخروج من السودان أربعة أيام شاقة. دفعت فاطمة للمهربين أموالًا لإحضارها وأطفالها إلى مصر في شاحنة مكتظة. بعد وصولهم إلى أسوان، 900 كيلومتر جنوب القاهرة، اختطفتهم عصابة تنتحل صفة حراس أمن، واحتجزتهم وابتزتهم لعدة أيام. واغتصب أحد أفراد العصابة ابنة فاطمة، البالغة من العمر 18 عامًا.

 

وجدتها منهكة على الأرض. كانت الدماء تغطيها. كانت صامتة، عاجزة عن الكلام، تتذكر فاطمة. حدث هذا في مصر، مكان يُفترض أنه آمن. كان الأمر لا يُطاق.

 

أُطلق سراح العائلة في النهاية، وتمكنوا من الوصول إلى القاهرة بالقطار بمساعدة صديق في أسوان. وصلوا إلى العاصمة بلا مال ولا أوراق ثبوتية، وبقليل من الممتلكات.

 

مع ذلك، ظلت فاطمة تأمل في الحصول على مساعدة وحماية من منظمات إنسانية مرموقة. تواصلت مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة أطباء بلا حدود، لكن قيل لها مرارًا وتكرارًا إنه بدون أي وثائق، لن يتمكنوا من تقديم المساعدة. اضطرت فاطمة للانتظار عدة أشهر حتى يتم التعامل معها كلاجئة لتلقي الرعاية الطبية لابنتها.

 

بعد بضعة أشهر، علمت فاطمة بحمل ابنتها. لعدم توفر الرعاية الصحية، لجأت إلى مجموعات ومنتديات "فيسبوك"، وعثرت في النهاية على عيادة إجهاض غير رسمية، ودفعت ما تبقى لها من مال لإجراء العملية.

 

ولتغطية نفقات عائلتها، تعمل فاطمة ساعات طويلة في أحد المخابز. لكن قصتها المأساوية ليست فريدة من نوعها. فبالنسبة للعديد من العائلات السودانية في مصر، تُذكرهم الاعتقالات والابتزاز وغياب الدعم الحكومي والإنساني باستمرار بأنه حتى الفارين من أهوال لا تُصدق ليسوا بأمان هنا.

 

المساعدات في ظل الدكتاتورية العسكرية

 

 

يُمثل السودان الآن أكبر أزمة نزوح قسري في العالم. منذ أبريل 2023، فرّ حوالي 12 مليون شخص من ديارهم، وعبر 3.2 مليون منهم حدود السودان إلى الدول المجاورة.

 

وتستضيف مصر حاليًا أكبر عدد من اللاجئين السودانيين، حيث تُقدّر بيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد الوافدين السودانيين الجدد بنحو 1.5 مليون، منهم 700 ألف مسجلون رسميًا كلاجئين.

 

حتى قبل اندلاع هذه الحرب الأخيرة، استضافت مصر جالية سودانية كبيرة. وتشير تقديرات الحكومة إلى أن خمسة ملايين من أصل عشرة ملايين أجنبي في البلاد (بما في ذلك اللاجئون والمهاجرون) هم سودانيون.

 

وقد ازدادت أعدادهم في ظل اتفاقية الحريات الأربع لعام 2004 بين مصر والسودان، والتي منحت مواطني البلدين حق التنقل والعمل والعيش والدراسة بين البلدين.

 

وتتركز الغالبية العظمى من هؤلاء اللاجئين الآن في القاهرة الكبرى، حيث يتعين عليهم الذهاب إلى المكتب الوحيد الذي يمكنهم من خلاله الحصول على الوثائق: أولاً، البطاقة الصفراء من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (بطاقة هوية لطالبي اللجوء)، ثم، في كثير من الأحيان بعد سنوات، التسجيل القانوني لدى السلطات المصرية.

 

في البداية، عملت الشبكات الشعبية المصرية والسودانية على إنشاء المدارس المجتمعية وتوزيع الأغذية ومساعدة الأسر في تأمين السكن في مصر.

 

لكن في ديسمبر 2024، بعد أشهر قليلة من توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، أقرّت الحكومة المصرية أول قانون لها بشأن اللجوء، مانحةً الشرطة صلاحيات جديدة لاحتجاز اللاجئين لعدم امتلاكهم وثائق، ومُعاقبةً اللاجئين المنخرطين في أنشطة سياسية، وكذا المنظمات التي تُساعد اللاجئين دون تصريح رسمي. كما نقلت مسؤولية تسجيل اللاجئين والبت في طلبات اللجوء إلى هيئة حكومية جديدة.

 

قبل هذا، كانت قدرة المفوضية مُرهقة بالفعل. وقد أدى تقلص ميزانيات المساعدات الدولية، إلى جانب تزايد أعداد الوافدين السودانيين، إلى تقليص ساعات عمل فريقها في القاهرة إلى نصف ساعة فقط لكل طالب لجوء، وفقًا لأحد عمال الإغاثة المحليين.

 

كما يُهدد قانون اللجوء الجديد بانهيار الشبكات الشعبية التي تمولها المفوضية، إذ يُمكن اعتقال اللاجئين العاملين في هذه المنظمات لمشاركتهم في النشاط السياسي. وقد تُغلق المنظمات لتوظيفها مهاجرين غير نظاميين. وقد أغلقت السلطات المصرية بالفعل العديد من مدارس اللاجئين، مُتعللة بمشاكل تتعلق بالتصاريح .

 

لتطبيق القانون الجديد، كثّفت الشرطة عملياتها في مناطق المهاجرين مثل فيصل، حيث تعيش فاطمة وعائلتها. وتقدم بعض منظمات حقوق الإنسان المصرية الدعم القانوني للمحتجزين على الرغم من حيازتهم وثائق سارية.

 

الإعادة القسرية

 

 

يروي محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، حالة اعتقال لمصفف شعر سوداني يحمل بطاقة صفراء من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ودخل مصر بطريقة شرعية.

 

كان من المفترض إطلاق سراح الرجل بكفالة، لكنه احتُجز قبل ترحيله إلى السودان. ويعتقد لطفي أنه إلى جانب عمليات الإعادة القسرية، تضغط الشرطة على بعض اللاجئين للعودة "طوعًا" إلى السودان، بعد روايات عن سوء المعاملة في السجون المصرية.

 

تقول جماعات حقوق الإنسان، إن القانون الجديد يُمثل انتهاكًا لحقوق اللاجئين في البلاد، بل يُرسّخ أيضًا ممارسات قائمة بالفعل. يقول لطفي إنه "يُبرز نظرة الحكومة المصرية الحالية لقضايا اللاجئين والهجرة- كمسألة أمن قومي ودفاع بالدرجة الأولى، لا حقوق وتكامل".

 

وتقوم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر بتسجيل اللاجئين نيابة عن الحكومة المصرية منذ عام 1954.

 

قال متحدث باسم المفوضية: "حماية اللاجئين مسؤولية الدولة في المقام الأول. لذا، فإن الحكومة تستعيد دورها".

 

وأصدرت المفوضية عدة تعديلات على قانون اللجوء، والتي تقول إنها لم تُمنح فرصة لمراجعته قبل طرحه. تنضمن التوصيات الحذر بشأن الأحكام التي تُجرّم الدخول غير النظامي إلى مصر، مما قد يؤثر على اللاجئين الذين لا يحملون وثائق سارية، وتجريم الجماعات التي توظف أو تؤوي طالبي اللجوء، وعدم وجود ضمانات صريحة بعدم إعادة اللاجئين قسرًا إلى أوضاع خطيرة.

 

كما أطلعت المفوضية السلطات المصرية على استراتيجية لانتقال منظم من المفوضية إلى إدارة الدولة، لكنها غير متأكدة من كيفية حدوث ذلك، أو ما إذا كان سيحدث.

 

في الوقت نفسه، تعمل منظمات مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمفوضية المصرية للحقوق والحريات على صياغة التعديلات على قانون اللجوء، والضغط على الاتحاد الأوروبي لدفع الحكومة المصرية نحو استجابة أكثر عدالة لقضية اللجوء.

 

وقال محمود شلبي، الباحث في منظمة العفو الدولية في مصر: "لتجنب خطر التواطؤ في الانتهاكات ضد اللاجئين في مصر، يتعين على الاتحاد الأوروبي أيضاً ضمان أن أي تعاون في مجال الهجرة مع مصر يشمل ضمانات حقوق الإنسان ويتبع تقييمات صارمة لمخاطر حقوق الإنسان بشأن تأثير أي اتفاقيات".

 

وفي أفضل الأحوال، قد يؤدي هذا إلى تخفيف وطأة السياسة القاسية، لكن كثيرين أعربوا عن الحاجة إلى تحولات أكثر جوهرية في بنية السلطة في مصر.

 

قال عامل إغاثة طلب عدم الكشف عن هويته: "نحتاج إلى تغيير في نظرة الحكومة للاجئين وتعاملها مع هذه القضية. لقد دعم المانحون الدوليون اللاجئين، لكن لا يزال هناك حاجة إلى المزيد. على الحكومة المصرية إعادة النظر في استراتيجيتها الإنفاقية والتوقف عن تحميل اللاجئين مسؤولية مشاكلها الداخلية".

 

الأمن فوق السلامة

 

في أوروبا، غالبًا ما تُوصف مصر بأنها شريك موثوق: قوة استقرار في العالم العربي أو بلد عودة آمنة. لكن بعض الخبراء يرون أن هذا مجرد واجهة، وأن الوجود العسكري المكثف داخل مدن البلاد وبلداتها يُخفي هشاشتها المؤسسية.

 

على أرض الواقع، القاهرة مدينةٌ يحرسها شبابٌ يرتدون الزي العسكري، متمركزون عند نقاط التفتيش ببنادق أضخم منها. لقد تلاشت السلطة المركزية إلى أضعف صورها: فالسيطرة والمراقبة موجودان، لكن الأمان غائب. الطرق السريعة الجديدة والمشاريع الفاخرة تُهيمن على البنية التحتية المتهالكة، ولا يزال اللاجئون مُستبعدين من معظم الحياة العامة.

 

لاحظ صايغ، من مركز كارنيجي للشرق الأوسط، كيف سعى نظام السيسي جاهدًا لقمع الحركات الشعبية وتقييد الحريات المدنية، مع منح السلطة لأجهزة المخابرات والجيش والشرطة. ويحافظ على دعم حكومته من خلال دوائر المحسوبية واستراتيجية تنمية قائمة على البنية التحتية، مدفوعة بالديون، ومخصصة لمشاريع مثل توسيع قناة السويس.

 

وتعتمد قوة هذا النظام على التدفق المستمر من القروض الأجنبية، وهو ما يصفه صايغ بأنه "التعريف النموذجي لنظام بونزي، الذي تحافظ عليه الإمارات، وصندوق النقد الدولي، والمفوضية الأوروبية، والبنك الدولي، وغيرها.

 

ويشير إلى أن مصر تلقت ما يزيد على 200 مليار دولار من المساعدات، دون احتساب الدعم العسكري أو الدعم بالأسلحة، منذ تولي السيسي السلطة في عام 2014. وقال إن أوروبا تعمل على تمكين هذا النموذج خوفًا من أن يحاول المزيد من الناس عبور البحر الأبيض المتوسط ​​إذا قرر قادة مصر عدم منع عمليات العبور بشكل نشط.

 

في عام 2014، سافر أكثر من 200 ألف لاجئ ومهاجر إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط. واستجابةً لذلك، عززت العديد من الدول الأوروبية تمويلها لبلدان المنشأ والعبور لدعم برامج التنمية الاقتصادية ومراقبة الحدود، في محاولة لمنع المزيد من الأشخاص اليائسين من طلب اللجوء في الاتحاد الأوروبي.

 

وتقول كيسلي ب. نورمان، الخبيرة في مجال مساعدات إدارة الهجرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد بيكر بجامعة رايس: "كان المنطق في مصر هو أنه إذا قمنا بتحسين الطرق والمدارس في المحافظات الأكثر فقرُا حيث يكون الناس أكثر عرضة للهجرة، فإنهم سيبقون هناك".

 

في غضون ذلك، أوقفت السلطات المصرية إلى حد كبير عمليات المغادرة من ساحلها الشمالي إلى أوروبا منذ عام 2016.

 

وأضافت نورمان: "بمجرد أن أظهروا أنهم قادرون حقًا على إيقاف القوارب التي تغادر من مصر باتجاه أوروبا، جلسوا مع الأوروبيين وقالوا: انظروا - إذا كنتم تريدون منا الاستمرار في القيام بذلك، فنحن بحاجة إلى مزيد من المساعدة".

 

وأشارت إلى أن مصر تستخدم الآن "تهديدات مبطنة" في مفاوضاتها مع أوروبا للتحذير من زيادة الهجرة إذا توقفت عن تأمين حدودها أو إذا انهار اقتصادها.

 

لكن النظام المصري الهش، الذي يُحافظ عليه من خلال العسكرة المكثفة والديون والتعاون الانتقائي، يحمل في طياته مخاطر جمة لأوروبا. ويعتمد الاتحاد الأوروبي على مصر كـ"شريك مستقر" في شكل خطير من أشكال الابتزاز ذي التكلفة البشرية الباهظة.

 

الحلفاء الاستراتيجيون

 

تهدف الشراكة التي وقّعها الاتحاد الأوروبي ومصر في مارس 2024، والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، إلى " تعزيز الاقتصاد المصري المتعثر وتجنب أزمة هجرة أخرى في أوروبا".

 

وتضمنت الاتفاقية منحًا بقيمة 938 مليون دولار لقطاعات الهجرة والرقمنة والطاقة المتجددة وقطاعات أخرى، و1.8 مليار دولار لدعم الاستثمار الأجنبي المباشر، و5.8 مليار دولار كقروض للمساعدات المالية الكلية.

 

قسمت هذه القروض إلى شريحتين: الأولى، بقيمة تزيد عن مليار دولار، تم توزيعها في ديسمبر، بعد أيام من إقرار مصر لقانون اللجوء الجديد ــ وهو القرار الذي اتخذته المفوضية الأوروبية وحدها، متجاوزة البرلمان والمجلس، ومثيرةً انتقادات من جانب العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي.

 

https://newint.org/refugees/2025/how-eu-enables-egypts-crackdown-sudanese-refugees